يُعد الأزهر هو أكبر جامعة علمية إسلامية تحمل على عاتقها مهمة حفظ ودراسة وتوضيح الشريعة الإسلامية وأيضا مسئولة عن نقل الرسالة الإسلامية لكل الشعوب، ومن مهامه أيضاً إظهار حقيقة الإسلام وأثره على تقدم الإنسانية والحضارة والأمن والأمان، إضافة إلى إحياء الحضارة العربية والإرث العربي من العلوم والفكر وذلك لإظهار اثر العرب على تطور الإنسانية.
وهو يعتبر أول عمل معماري أقامه الفاطميون في مصر، وأول مسجد أنشئ في مدينة القاهرة التي أسسها جوهر الصقلي في عام 969م، لتكون عاصمة للدولة الفاطمية، حيث بدأ الصقلي في إنشائه في 4 إبريل 970م، ولما تم بناؤه اُفتتح للصلاة في 22 يونيو 971م.
وقد أُطلق عليه منذ إنشائه اسم جامع القاهرة، وظلت هذه التسمية غالبة عليه معظم سنوات الحكم الفاطمي، وفى فترة حكم العزيز بالله الفاطمي أُعيد تسمية هذا الجامع ليلقب بالجامع الأزهر كاسم مشتق من الزهور واللمعان.
وطبقاً لبعض المؤرخين فلقد سُمى بعد تشييد القصور الفاطمية التي كانت تعرف بالزهراء (اللامعة)، بينما ذكر الآخرون أن هذا الجامع أعيدت تسميته بالأزهر توضيحاً لدوره المنظور في إحياء العلم، وفي رواية ثالثة أن الاسم اُشتق من لقب السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأصبح يعرف بالجامع الأزهر، وظلت هذه التسمية إلى وقتنا الحاضر.
كان تصميم الأزهر وقت إنشائه يتألف من صحن تحفّه ثلاثة أروقة، أكبرها رواق القبلة، وعلى الجانبين الرواقان الآخران، وكانت مساحته وقت إنشائه تقترب من نصف مسطحه الحالي، ثم ما لبث أن أضيفت مجموعة من الأبنية شملت أروقة جديدة، ومدارس ومحاريب ومآذن، غيرت من معالمه الأولى، وأصبح معرضاً لفن العمارة الإسلامية منذ بداية العصر الفاطمي.
قام الأزهر بوظيفته التعليمية عقب الانتهاء من بنائه بسنوات قليلة، فشهد في أكتوبر 975م أول درس علمي، وكان لقاضي القضاة "أبو الحسن علي بن النعمان"، ثم قام الوزير "يعقوب بن كلس" الفاطمي بتعيين جماعة من الفقهاء للتدريس بالأزهر، وجعل لهم رواتب مجزية، وأنشأ لهم دوراً للسكن بالقرب من المسجد، وبهذا اكتسب الأزهر لأول مرة صفته العلمية باعتباره معهداً للدراسة المنظمة.
لعب الجامع الأزهر دوراً مهماً في إثراء الحياة الثقافية، ففي أثناء الحكم الفاطمي كانت تتمتع مصر بأنشطة علمية متطورة فكان هناك عددا كبيرا من المشرعين والباحثين والفلاسفة والكُتاب الذين أسهموا بجدية في عملية الإحياء الثقافي في تلك الفترة التي كان للأزهر دوراً رئيسياً في ذلك.
شهد القرن الخامس عشر العصر الذهبي للأزهر حيث كان بمثابة الجامعة الإسلامية العظيمة التي لا مثيل لها، حيث لقي عناية فائقة من سلاطين المماليك منذ عهد الظاهر بيبرس، وتوالت عليه عمليات التجديد، وإلحاق المدارس به، وظل الجامع الأزهر في العهد العثماني 1517ـ 1789م موضع عناية الخلفاء وولاتهم في مصر، فجُدّد في بنائه، ووسعت مساحته، وأضيفت إليه مبان جديدة، وشهد إقبالاً على الالتحاق به، فازدحم بالعلماء والدارسين، وبحلقات العلم التي لم تقتصر على العلوم الشرعية واللغوية، بل شملت أيضا علم الفلك والرياضيات من حساب وجبر وهندسة.
استمرت نظم التعليم في الأزهر تجري دون تغيير أو تطوير حتى تولى محمد علي حكم مصر وعني بالتعليم، وظهرت دعوات جادة لإصلاح شئونه وتطوير نظمه ومناهجه التعليمية، فصدر أول قانون في سنة 1872 في عهد الخديوي إسماعيل لتنظيم حصول الطلاب على الشهادة العالمية، وحدد المواد التي يُمتحن فيها الطالب بإحدى عشرة مادة دراسية، ويُعد صدور هذا القانون أول خطوة عملية في تنظيم الحياة الدراسية بالجامع الأزهر، غير أنها لم تكن كافية لتحقيق الإصلاح المنشود.
وفي عهد الخديوي عباس حلمي الثاني صدرت عدة قوانين لإصلاح الأزهر؛ كان أهمها القانون الذي صدر في سنة 1896م في عهد الشيخ "حسونة النواوي". وفي سنة 1911، صدر القانون رقم 1 لسنة 1911 وبمقتضاه أُنشئت "هيئة كبار العلماء"، والتي تتكون من ثلاثين عالماً من صفوة علماء الأزهر، ثم تغير الاسم في عهد مشيخة المراغي إلى "جماعة كبار العلماء".
وقد توالت على هذا القانون تعديلات آخرها ما ظهر في سنة 1930، وكان خطوة كبيرة نحو استكمال الإصلاح، وجعل هذا القانون الدراسة بالأزهر أربع سنوات للمرحلة الابتدائية، وخمس سنوات للمرحلة الثانوية، وأنشأ ثلاث كليات هي: كلية أصول الدين، وكلية الشريعة، وكلية اللغة العربية.
وفي 5 يوليو 1961 صدر القانون رقم 103، الذي أصبح الأزهر بمقتضاه جامعة كبرى للتعليم العالي بغرض إعداد وتزويد الباحثين الأزهريين والمصريين وغيرهم من الذين اكتسبوا العلوم الحديثة بالمعرفة الدينية، وفي العام الدراسي 1996 ـ 1997 كانت جامعة الأزهر تمتلك 52 كلية (شاملة العلوم والدراسات الإنسانية)، كما أنه يهتم بالبحث العميق في مجالات عدة من خلال مركز البحوث الإسلامية.
وقد شمل القانون إنشاء مجلس أعلى للأزهر يترأسه شيخ الأزهر ويختص بالتخطيط ورسم السياسة العامة للأزهر، وإنشاء مجمع البحوث الإسلامية بديلاً عن جماعة كبار العلماء، يتكون من خمسين عضواً من كبار علماء الإسلام يمثلون جميع المذاهب الإسلامية، ويكون من بينهم عدد لا يزيد عن عشرين من غير العلماء المصريين.
وكما كان للأزهر دوراً في الحفاظ على الحضارة العربية والتراث الإسلامي وتوضيح مفاهيم الشريعة، فقد لعب دوراً قيادياً ومهماً في الصراع الوطني، حيث قاد العلماء الثورة ضد أمراء المماليك في عام 1795 نتيجة للاضطهاد والظلم الذي أصاب المصريين، وليس هذا فقط بل دعا الأزهر إلى الثورة ضد الحملة الفرنسية، واستمر في لعب دوره الوطني ضد القهر الخارجي لمصر شاملاً الحملة الانجليزية عام 1807، والثورة ضد الاحتلال الانجليزي عام 1919، وفى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956